رياضة

«نزلت ضرب في سعدية»: كيف تزيد كرة القدم العنف المنزلي؟

ما العلاقة التي تجمع كرة القدم والعنف المنزلي؟ وكيف أصبحت اللعبة الجميلة سبباً في جلب البؤس والشقاء للأطفال والنساء؟

future صورة تعبيرية: كيف تزيد كرة القدم العنف المنزلي

عام 2010، حُكم على حارس المرمى البرازيلي برونو فيرنانديز دي سوزا بالسجن لمدة 22 سنة، بتهمة قتل صديقته وإطعام بقايا جثتها لكلبه!

لم تكن تلك الواقعة – على هولها - فريدة من نوعها، وإنما امتداد لخط طويل من جرائم العنف المنزلي، التي لاحظ البروفيسور في جامعة كوستاريكا، جيرارد آريا، ارتباطها بكرة القدم، قبل عشرة أعوام من تلك الواقعة.

عكف جيرارد على مراجعة ملفات الشرطة مع زميل له، بعدما سمع في الأخبار عن ارتفاع حاد في معدل جرائم العنف المنزلي، التي لم تتوقف عند الشتم والإهانة والتهديد، بل تجاوزتها إلى الضرب والاغتصاب وربما القتل أيضًا. كل ذلك بالتزامن مع مباريات كرة القدم على المستويين المحلي والدولي.

فما العلاقة التي تجمع كرة القدم والعنف المنزلي؟ وكيف أصبحت اللعبة الجميلة سبباً في جلب البؤس والشقاء للأطفال والنساء؟

السيتي يكسب … اليونايتد يخسر … المرأة تُضرَب!

يعاني جمهور مانشستر يونايتد حالة من البؤس الكروي، منذ رحيل السير أليكس فيرجسون وحتى الآن، في الوقت الذي يشهد فيه جانب المدينة السماوي تاريخًا يُكتب باسم ناديهم في سجلات الكرة الإنجليزية والعالمية تحت قيادة بيب جوارديولا. ولكن يبدو أن ذلك البؤس وتلك السمعة لم يحميا نساء المدينة من بطش المتعصبين من ذويهم من مشجعي الفريقين.

عام 2021، قام  ثلاثة علماء من مركز الأداء الاقتصادي التابع لجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بتحليل 523,546 واقعة عنف منزلي تم إبلاغها لشرطة مدينة مانشستر بين عامي 2012 و2019، مع دراسة الظروف المحيطة بالمباريات التي لعبها قطبا المدينة في تلك الفترة، والتي بلغ عددها 780 مباراة.

تبدو نتيجة تلك الدراسة للوهلة الأولى مبشرة وغريبة في الوقت نفسه، فقد لوحظ انخفاض معدل جرائم العنف المنزلي بنسبة 5% أثناء وقت المباراة المقدر بساعتين تقريباً، وهو ما يعني أن هؤلاء المعنفين يجدون متعة أكبر في مشاهدة كيفين دي بروين أو ماركوس راشفورد من ضرب زوجاتهم وأولادهم. لكن ما يعقب النقصان إلا الزيادة، تعاود الزوج شهية الاعتداء عقب انتهاء المباراة، لتصل ذروتها بعد انتهاء المباراة بعشر ساعات.

قد يظن البعض أن سوء مستوى تعاقدات اليونايتد وتواضع أداء مدربيه وخساراتهم المتلاحقة، لها دور في زيادة نسب تلك الحوادث، وأن الحياة أكثر إشراقاً في جانب المدينة الآخر المستقر، الذي ينعم بحقبة كروية ذهبية على جميع الأصعدة، ومن ثم فإن معدلات التعنيف الأسري ستقل لا محالة، وهو افتراض نزعم أنه غير دقيق تماماً.

ففي عام 2014، أجرى أكاديميون في جامعة لانكستر الإنجليزية، دراسة على عدد من بلاغات العنف المنزلي المقدمة إلى قوات الشرطة في شمال غرب إنجلترا، خلال ثلاث بطولات لكأس العالم شارك فيها المنتخب الإنجليزي.

وجد أن تلك البلاغات ترتفع بنسبة 38% عندما يخسر المنتخب الإنجليزي، وهو أمر غير مبرر لكنه منطقي ومفهوم، لكن تلك البلاغات أيضًا ترتفع بنسبة 26% عندما يكسب المنتخب الإنجليزي أو يتعادل، بل إن بعض الدراسات الأخرى، توضح أنه كلما كان الفوز مؤزرًا، اشتد الإيذاء والعنف.

فما الدافع وراء ذلك؟

لا تلوموا الكرة … لوموا الكحول!

تعزو الدراسات والأبحاث ذلك الارتباط بين كرة القدم – والرياضات التنافسية بشكل عام - وارتفاع مستويات العنف المنزلي، إلى مجموعة عوامل ترتبط فيما بينها بشكل أو بآخر.

أحد تلك العوامل يتمثل بشكل رئيسي في فورة المشاعر التي يمر بها المشجعون قبل المباراة وأثناءها وبعدها، من تطلعات وآمال وإخفاقات وهزائم. ما يجعل النتائج المخيبة للآمال والتوقعات أشد وطأة من الهزائم المتوقعة.

وفق دراسة بحثية، أجراها ديفيد كارد وجوردن دهال، عالما الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا، على دوري كرة القدم الأمريكية؛ فإن المباريات التي يخسرها الفريق المحلي وقد كان متوقعاً له الفوز بها بفارق أربع نقاط أو أكثر؛ تزيد من معدلات العنف المنزلي بنسبة 10% من قبل مشجعي تلك الفرق تجاه زوجاتهم وعشيقاتهم.

من بين تلك العوامل أيضاً ما يتعلق بالمباريات نفسها، مثل موقع المباراة من أيام الأسبوع، بل توقيت المباراة في اليوم نفسه، فقد لوحظت زيادة طفيفة في معدلات الاعتداءات في أيام العطلات وبعد المباريات التي تلعب في ساعة مبكرة من اليوم؛ إذ تتيح تلك الأوقات للمعتدين الإسراف في شرب الكحول، وإعطائه الوقت الكافي لتحقيق مفعوله وسطوته الكاملة بعد وقت محدد.

يجادل علماء مركز الأداء الاقتصادي بأن السبب الرئيس وربما الأوحد في العلاقة بين العنف المنزلي ومباريات كرة القدم هو تأثير الكحول. قبيل نصف نهائي اليورو بين إنجلترا والدنمارك، قدرت جمعية البيرة والحانات البريطانية أنه سيتم بيع 10 ملايين بينت (وعاء للبيرة يقدر بنصف لتر) يوم المباراة، وخلال المباراة نفسها سيتم شراء 50 ألف مشروب في الدقيقة.

ووفقًا للمعلومات التي تم جمعها من خلال البلاغات المقدمة لشرطة مدينة مانشيستر، فإن ثلث المعتدين تقريبًا كانوا تحت تأثير الكحول وقت ارتكابهم لتلك الجريمة، مما يعني أن العوامل المتعلقة بالمباراة وفورة المشاعر التي تكتنفها، لن يكون لها أثر ملحوظ إذا ما اقترنت لدى صاحبها بتأثير الكحول.

ورغم أن تلك التفسيرات توضح العلاقة بين كرة القدم والعنف المنزلي إحصائياً، إلا أن الملاحظ يمكن أن يرى أن فيها شيئاً من الركون لتفسير كسول، يغفل الجانب النفسي الذي تشترك فيه الرياضات التنافسية والعنف المنزلي، في علاقة يمكن اعتبارها سببية، ويقصرها فقط على تأثير الكحوليات.

لأن كرة القدم ذكورية بالأساس!

«لم تسِر المباراة على ما يرام، فعاد للمنزل وأخبرني أنه سيفعل بي ما فعل باللاعبين؛ لأنني أستحق ذلك! شق شفتي وهشم أنفي وكسر أضلعي.»

  — إحدى ضحايا العنف المنزلي بسبب كرة القدم

توضح الدراسات الأكاديمية أن كرة القدم ما هي إلا نموذج مصغر للعلاقات بين الجنسين والأنظمة الحاكمة والتسلسلات الهرمية. وهي في تلك الحالة تحديداً، تمثل تجلياً من تجليات الذكورة المحضة. فاللعبة التي أنشئت خصوصاً من أجل الرجال، واقتصرت ممارستها عليهم لعقود طويلة، والتي يذم فيها اللاعبون بمفردات تدل على الطراوة والالتصاق بالأنوثة؛ أصبحت وسيلة لتشكيل هوية ذكورية من الصفر أو لإصلاح هوية ذكورية مهترأة.

تلك الهوية الذكورية في كرة القدم، حسبما أوضح باحثان في جامعة جلاسكو، في دراسة حول التأثير النفسي المتبادل بين كرة القدم والعنف المنزلي، تتمثل في الهيمنة والرغبة في إخضاع الخصوم وكسر شوكتهم وتأديبهم إذا تطلب الأمر.

وهو ما يدفع المشجعين المتعصبين إلى الالتصاق بنموذج اللاعب القوي في الملعب، القادر على كسب كل الالتحامات، والجريء على التدخلات القوية والأفعال العنيفة. ويشعر ذلك المشجع بالخزي والغضب إذا ما أدى ذلك اللاعب بشكل سيئ، وكأنما سيوجه له اللوم على تلك الأخطاء التي لم يرتكبها؛ لأنه يشعر يقيناً في قرارة نفسه أن في ذلك انتقاصاً من قدره. فيهيأ له أن فرض العنف على من لا يقدر على رده، من آصل أفعال الذكورة وأكثرها ارتباطًا بهويتها.

تشير الإحصائيات إلى أن واحدة من كل أربع نساء حول العالم، ستتعرض لتجربة العنف المنزلي مرة على الأقل في العمر. وحسب تقرير لهيئة الأمم المتحدة لشئون المرأة؛ فإن 37% من النساء في الدول العربية قد تعرضن لنوع من أنواع العنف المنزلي، وتلك نسبة الحالات التي امتلكت النساء فيها جرأة في الإفصاح والإبلاغ عنها.

وما خفي كان أعظم وأشد إيلاماً، في واقع عربي قاسٍ، يحتمي فيه الرجال بأنديتهم الكروية كمعلَم أصيل باقٍ من ملامح هوية ذكورية مطموسة، وهو ما يستدعي للذهن سؤالاً لا مناص منه: كم امرأة باتت معنفة عندما أحرز قفشة هدف القاضية؟

# علم نفس # كرة القدم العالمية

هانزي فليك: شراسة العالم خلف هدوء حي ماكينلوش
الطابق المسحور: أين اختفى جيل منتصف التسعينيات؟
أتلتيك بيلباو: أسطورة الولاء للإقليم

رياضة